Followers

و انا لوحدي

و انا لوحدي

Wednesday, January 09, 2008

تــرانيم العمـــر


رغم انى كنت قد قررت مسبقاً عدم نشر هذه الرواية التى لم تكتمل بعد و لكننى الان ارغب فى عرضها لاستطيع كتابة الباقى منها

الحلقة الأولى :


يقف وحيدا أعلى تلك البناية ينظر إلى الأفق الذي لا يستطيع رؤيته لا لشيء إلا لوجود تلك البنايات العالية انه لا يشعر أنها تحجب الرؤية عنه..إنها بمثابة بوابات عملاقة تفتح أبوبها لذكريات قديمة تتسارع كشريط سينمائي أمام عينيه..
يقف في ذلك المكان كل أسبوعين تماما و في نفس الساعة من الصباح ..إنها الآن السادسة و النصف بتوقيت القاهرة..يقبع ذلك الفندق في ميدان رمسيس .. يقف في الدور السابع ينظر إلى الطرقات التي ستبدأ يومها مع توافد المواطنين إليها من منازلهم متجهين إلى أعمالهم.. في هذه اللحظة بالذات يشعر انه مازال على قيد الحياة ..انه يحب هذا الوطن لدرجة لم يكن هو نفسه يتخيلها..إن إحساسه هذا يعوضه عن شعوره الدائم بالغربة و الوحدة..يتذكر لقطات مهمة من حياته دون أن تغادره صورة القاهرة في ذلك الصباح..
" سيف ..ميعاد الأتوبيس قرب ..يالله بينا "استدار بهدوء شديد كأنه لا يرغب في الرحيل و لكنه يدرك تماما أن الرحيل هو النهاية الطبيعية لكل شيء..كل شيء..
جلس في مقعده بالأتوبيس بنفس الهدوء..نظر عبر الزجاج..انه يحب جدا أن يرى الأشياء من خلف الزجاج..تعلم من تجاربه العديدة أن رؤية التفاصيل جميعا ليست بالشيء السهل أو الممتع كما يتخيل البعض..انه يدرك الآن انه في لحظات كثيرة بعدما تعرف على كل التفاصيل الممكنة عن شيء ما أو شخص ما.. تمنى حقا أن ذلك لم يحدث..
ينقله ذلك بهدوء آخر إلى افتقاد أشخاص بعينهم و أماكن بعينها..يأخذ نفسا عميقا و يستمر في مراقبة الناس و السيارات من خلف الزجاج..خلف الزجاج..ضوضاء اقل..رؤية مريحة..تفاصيل اقل..مكان يشعر فيه بالقليل من الدفء..انه يعلم فى قرارة نفسه أن يفتقد ذلك الدفء..و يعلم أيضا انه يجيد إخفاء ذلك..إنها واحدة من ملكاته المتعددة التي اكتسبها أو أنها كانت متواجدة بداخله و لكنه استطاع أن ينميها بشكل رائع..لا احد يعلم
" ما حدش هيعذرك و ما حدش هيسامحك " تطن هذه الكلمات فى أذنيه منذ سمعها..انه يحتفظ بجمل كثيرة سمعها من أناس مختلفين و لكن تلك الجمل و الكلمات لم تفارق ذهنه مطلقا منذ سمعها ..إنها تشكل جزءا هاما و فريدا من تركيبته التي يشعر فى كثير من الأحيان أنها معقدة تماما..

فلاش باك

" يييييه..يا جماعة أنا مش عايز الكلية دي أساسا..دي مش بتاعتى..ليه ماحدش قادر يفهمني "
" يا بنى اعقل ..إيه اللي أنت بتقوله دا ..أنت عارف كام واحد وواحدة يتمنوا.."
" يتمنوا الاملة اللي أنا فيها ..سمعت الكلام دا كتير ..ليه ماحدش قادر يفهم إن دا مش حلمي..و هو دا مالوش قيمة ليه ؟"
" أنت جالك أحسن من اللي انت بتتمناه..إيه اللي مزعلك بقى ؟؟؟؟"
" شوفي أنا اللي اعرفه حاجة واحدة بس ...إن ضياع الحلم سواء للأحسن منه أو للأقل منه واحد..ضاع و خلاص ...أنا ماشى "
" رايح فين استنى ..إحنا لسه بنتكلم"
"ماليش نفس أتكلم مع حد..عايز أبقى لوحدي...سلام "
سار مسرعا مغادرا بوابة الكلية من قبل أن يلحق به احد..انه لا يرغب فى الحديث فى هذا الموضع أكثر من ذلك..فمنذ ظهور نتيجة الثانوية العامة و هو يجادل فى هذا الموضوع دون فائدة..لا احد يدرك أو يحاول مجرد محاولة إدراك ما يعنيه ذلك بالنسبة له..
سار مسرعا و عينا " ملك " مازالت ترقبه حتى غاب تماما..إنها تنجذب إليه بطريقة غريبة تتنافى مع عقلانيتها الشديدة رغم أنها كما قال لها هو فى مرات عديدة " مجنونة " إلا أن جنونها ذاك لم يكن حماقة بل كان مرحا ممزوجا بحيوية غير عادية و اتقاد ذهن رائع..قال لها أيضا انه يستطيع رؤية ذلك من عينيها..

" امسك يا بنى..انت مش هتبطل السرحان اللي انت فيه دا "..كانت تلك كلمات زميله الجالس بجواره فى الأتوبيس..كان يناوله وجبة الإفطار التي تقدم لهم فى أثناء تلك الرحلة التي تستغرق خمس ساعات كاملة..
" شد الستارة دي خلينا نعرف ننام"..نظر إليه " سيف " نظرة خاوية و أدار وجهه إلى الزجاج مرة أخرى
" لما نخرج من القاهرة هشدها..نام انت بس "


" أنا ماليش حاجة هنا اقعد علشانها..علشان كدا أنا لازم أسافر .. أنا من ساعة ما رجعت و أنا حاسس إن فى حاجة غلط..الناس هنا غريبة جدا..كل ما اجى اعمل حاجة اسمع نفس الكلمة..إحنا هنا فى مصر ..يعنى إيه ..إيه اللي اختلف ..إيه اللي اتغير.."
نظر إلى عينيها مباشرة فوجدها تبتسم ابتسامة مشرقة كعادتها..
" انتى مبسوطة كدا ليه؟؟؟؟.."
" ممكن تهدى"
لم يستطع مقاومة حروفها..انه يعلم انه لا يستطيع..إنها كانت تدرك ببساطة شديدة مدى مقاومته فى كل شيء و رغم ذلك لم تقم باستغلال تلك المعرفة ضده أبدا..
" فاكرة أول مرة أتقابلنا فيها؟"
ضحكت ضحكة عالية و انحنت بجسدها الرياضي الممشوق إلى الوراء و أكملت ضحكتها العالية..
" ودي حاجة تتنسي..يا ساتر يا رب دا أنا كنت مخنوقة منك بطريقة إيه دا..كنت حاسة انك واخد قلم فى نفسك مالوش حل "
" و دلوقتى؟"
سألها و هو ينظر إلى عينيها مباشرة ليقرأ ردها من قبل أن تنطقه شفتيها..انه يجيد ذلك ..يجيده بمنتهى الروعة..
" عايز أقولك حاجة..أنا .."
وضعت أصابعها على شفتيه بسرعة..
" ما تقلش حاجة دلوقتى..ما تقلش حاجة انت مش متأكد منها..استنى..ما تقلش حاجة تندم عليها"
" بس أنا متأكد من اللي أنا هقوله.."
"برده استنى ..اصبر شوية.."
" حاضر "
نظرت إليه بامتنان شديد و كأنها تحتضن عينيه بعينيها العسليتين


" يا بنى شد الستارة بقى إحنا كدا فى أول طريق القطامية..مستني تشوف إيه تاني "
سحب الستارة بهدوء لتوارى أشعة الشمس الدافئة و تعيده لشعور البرودة القاتل..يعقد ذراعيه أمام صدره و يترك جسده يهوى فى كرسيه و رأسه على المسند المخملي و يغلق عينيه و ...


" عايز تقول إيه..أنا حاسة انك من يومين و انت مش طبيعي.."
" انتى قلتي لي استنى.."
" لا قول .."
" عمري ما تخيلت أبدا انى أحب واحدة اكبر مني..أبدا ..بس أنا بحبك "
توقفت عن السير بجواره و سبقته بخطوة واحد لتقف أمامه مباشرة..
"و أنا كمان بحبك .."

أغمض عينيه بقوة و ضغط على فكيه بقوة اكبر..اخذ نفسا عميقا ..كان يتمنى ساعتها أن يغادر ذلك الأتوبيس ..كان يرغب فى الكثير من الهواء ليخترق رئتيه الخاويتين..إن تلك اللحظة بالذات هي تاريخ كامل بالنسبة له..إن " ملك " لم تكن مجرد فتاة أحبها ..إنها أستاذته فى أشياء كثيرة..تعلم منها كيف يكون القلب و العقل على وفاق شديد..كيف يكون الحب جوا من الهدوء النفسي و الصفاء و القدرة على الإبداع..إنها صاحبة كل النقاط المضيئة فى شخصيته و إن كانت هذه النقاط موجودة أصلا إلا أنها كانت صاحبة الفضل فى جعلها أكثر صفاءا و بريقا و قوة..إنها بلا مقدمات " ملك "..

No comments: